Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

بعد عام 2007، صارت العمليات مفتوحة، وهنا ظهرت صواريخ الأشتر (التي طالب الأميركيون عبر وسطاء كثر إيقافها) وعمليات القنص، والكمائن، التي مكنتنا من ضرب الأمريكي بشكل قاس وغير متوقع. ما بين عامي 2007 و2009 وصلنا إلى مرحلة لم يعد الجيش الأميركي معها قادراً على الترجل من أي آلية في بغداد.

هيئة التحرير

من ذاكرة المقاومة العراقية (1): يوم أذلت 'كتائب حزب الله – العراق'" أميركا"

"

* مقابلة خاصة مع أحد قادة كتائب حزب الله في العراق
بدأت كتائب حزب الله عام 2003 العمل من خلال ثلاث مجموعات كبرى تعمل بشكل منفصلة ومستقل. هي ضمت عند انطلاقتها كلاً من: كتيبة أبو الفضل العباس، كتيبة كربلاء، كتيبة زيد بن علي. عملت هذه الكتائب بشكل منفصل لمقتضيات العمل الأمني. عام 2006، اندمجت الكتائب الثلاث تحت مسمى كتائب حزب الله. فباتت العمليات أكثر منهجية وتطوراً. تنامت الكتائب بعد ذلك وصارت معضلة كبرى بالنسبة للأميركيين. عام 2007، استدعت أميركا مزيداً من القوات من الولايات المتحدة لمواجهة الكتائب تحت عنوان "خطة فرض القانون". حاصرت أميركا منطقتي الشعب والحيرة القريبتين من النجف وبغداد لاعتقادها بأن هاتين المنطقتين منطلق عمل الكتائب في العراق. لكنها تكبدت أكثر من 28 قتيل في الشهر الأول من حصارها المنطقتين. قضى غالبية الجنود الأميركيين قنصاً. بعدها اعتقلت أميركا قادة من "عصائب أهل الحق" ومن فصائل المقاومة الأخرى، وفتحت خط مفاوضات عبر وسيط عراقي زار طهران بعيد تلك المرحلة. كان مطلب واشنطن واضحاً من خلال وسيطها؛ أوقفوا العمليات نحن نريد الانسحاب من العراق. لم يستقبل الإيرانيون الوسيط. هم أرادوا القول: لا شأن لنا بالوساطات ونحن لا نتدخل بقرار المقاومة العراقية. وبالتأكيد عندما علمنا نحن بالأمر، لم نعط الأميركيين ما يريدونه البتة. 


******

لا يمكن استقراء المشهد العراقي دون العودة للحظة الأكثر حساسية في تاريخ العراق الحديث. يوم احتلال بغداد من قبل الأميركيين عام 2003. فترة الاجتياح، وفي الأيام الأولى له، بدت الكثير من قطاعات الجنوب العراقي عصية على  الأميركيين. لم يرد أهل الجنوب للعراق أن يكون لقمة سائغة بيد الأميركيين. للأمر جذر قديم هناك. يعود ذلك لعام 1991. يوم سقطت كل المحافظات بيد الثورة في حركة 15 شعبان. لم يكن مسموحاً لصدام مواجهة الثوار جوياً بسبب الحظر الجوي المفروض دولياً ما بعد احتلال الكويت. لكن الولايات المتحدة عادت وسمحت لصدام استخدام سلاحه الجوي للقضاء على الثورة. وئدت الثورة بالحديد والنار بموافقة أميركية. ولم ينس الشعب العراقي ما حصل في الجنوب عام 1991. السعودية نفسها كانت واضحة آنذاك بقولها؛ فليبقَ العراق بيد صدام خير من أن ينتقل للمحور الإيراني. 
عام 2003، وجد الناس أنفسهم في خانة محيرة بعض الشيء. هم لم يقبلوا صدام منذ عام 1991، وفي الآن عينه لم يكونوا ليقبلوا بالأميركيين. وبالرغم من سقوط الأنبار وتكريت بشكل سريع إلا أن الجنوب، وعلى عكس ما كان يقدم بالإعلام، لم يسقط بسهولة. ولا أقول أن سقوط الأنبار سريعاً كان بسبب الخيانة أو عدم رغبة أهل الأنبار بالقتال، لا أبداً. بل أقول ذلك انطلاقاً من حقائق ووقائع الجغرافيا. الأنبار ومناطق غرب العراق كانت أكثر سهولة بالنسبة للإحتلال عام 2003، نظراً لطبيعتها الجغرافية. فمناطق وأقضية وقرى غرب العراق مترامية الأبعاد، وثمة مساحات واسعة في ما بينها. الأمر الذي سهل للأميركيين إمكانية تجنب المدن هناك ومواصلة التقدم نحو بغداد. طبعاً الأمر مختلف لناحية الشمال حيث سقطت محافظة صلاح الدين بشكل سهل نسبياً، نظراً لاعتماد الأميركيين سياسة الإنزالات فيها. 
ونظراً لماكينة الإعلام الأميركية، استطاع الأميركيون خلق وعي بالهزيمة لدى الناس. الأمر الذي استمر لعدة أشهر. في هذه المرحلة، عمل الأميركيون مع الإعلام العربي على خلق صورة نمطية، مقتضى هذه الصورة أن المقاومة العراقية مقاومة "سنية" وأن الشيعة يرحبون بالأميركيين وهم من أتوا بالجيوش الأميركية إلى العراق. هكذا أراد الإعلام العربي، والممول أميركياً تظهير المشهد. بينما على الأرض، كان ثمة وعي مختلف لدى الناس قد بدأ بالتشكل. لقد شعرت الناس أن النظام أفل إلى غير رجعة، وأن ثمة مرحلة جديدة. 
ولا زلت أذكر أول عملية نفذت ضد الجيش الأميركي، في أواخر آب من العام 2003. في تلك العملية وقع جميع المنفذين في قبضة الأميركيين. تبعها بعيد أقل من شهرين عملية أخرى في تشرين الأول 2003، تبعها عام 2004 جملة عمليات. في هذه المرحلة تأسس جيش المهدي، وبدأ الوضع شرقي قناة دجلة بالاهتزاز. مع بدء عمليات الفلوجة الأولى، بدأت  العمليات في الجنوب، ابتداءً من مدينة الصدر عند ضواحي بغداد، بعدما استفز الأميركيون الناس بإنزالهم راية "يا قائم آل محمد"، وبعد إغلاقهم جريدة الحوزة الناطقة بإسم الشهيد الصدر، تبعتها العمليات في النجف والمناطق الأخرى. في الـ2004، قدم التيار الصدري آلاف الشهداء، مما أوصل الأمر بالأميركيين لتطويق مدينة الصدر كاملة. هكذا بدأت الساحة "الشيعية" في العراق في الوقوف والتراص في وجه الأميركيين. 
هنا ثمة نقطة مفصلية، قام بها وزير الدفاع السابق نجاح الشمري، الذي قاد "الفرقة القذرة"، أو فرقة مكافحة الإرهاب على ما أسموها الأميركيين في أواخر العام 2004. عندما عمل على دعم جماعات شيعية لإقناعهم بأن الخطر المحدق بالشيعة هو من الوهابية، وبالمثل أقنع العشائر السنية (في بغداد والمحافظات الأخرى) أن الخطر الذي تواجهونه يكمن في الشيعة على اختلاف توجهاتهم، فهم من أقصوكم عن السلطة وعن مكتسباتها. دفع هذا الرجل السلاح والمال من أجل ترسيخ مثل هذه القناعات بموازاة عمل الأميركيين الإعلامي، والسياسي. الأمر الذي أوصل العراق لحال من التمزق الذي يفوق الوصغ. كانت عمليات التصفية تقع تحت أعين الأميركيين في اللطيفية والاسكندرية ومنطقة البحيرات بالقرب من بغداد. في ديالى أبيدت العشائر الشيعية، بشكل يومي، وهو الأمر نفسه الذي حصل في المدائن بعيد عام 2006. سميت المدينة الأخيرة بمدينة الرؤوس، نظراً لما اعتاده الناس من رؤية رؤوس الشيعة مقطعة يومياً في ساحات المدينة عند الصباح، وكل ذلك كان بمعاونة ومساعدة الأميركيين، أو غض الطرف من قبلهم.
لم يكن ذاك الجهد معزولاً أو منفصلاً عما قامت به السعودية، مطلع عام 2005. فهمي جدّت الخطى حثيثاً لحرف المقاومة العراقية عن مواجهة الأميركي. وذلك من خلال إقناع الجماعات المقاتلة على الأرض أن العدو الأول لكم هم الشيعة لا الأميركيين. فالشيعة هم من جاؤوا بالأميركيين إلى العراق.
أدى هذا الأمر ببعض فصائل المقاومة كجيش المهدي – المسمى بلواء اليوم الموعود في ما بعد - لبدء العمل لحماية الساحة الشيعية من الاعتداءات وفق منطق الحماية الذاتية. وهو الأمر الذي لم تُستدرج له فصائل المقاومة، وكتائب حزب الله. كانت الأخيرة تعلم أن الأميركيين هم السبب والأصل في كل مشكلة، فلم يحيدوا يوماً عن قتال أميركا. كان "تشخيصنا دائماً وأبداً أن الأميركيين هم من زكوا نار الطائفية في العراق لإلهاء المقاومة وحرف الأنظار عن احتلالهم". الأمر الذي جعل وتيرة المقاومة ترتفع بشكل منتظم، مع ازدياد قناعة الشعب العراقي بعبث العملية السلمية وعقم مهادنة الاحتلال. وهو ما جعل الناطق باسم الاحتلال الأميركي يقر عام 2007، بأن 85% من الهجمات التي طالت القوات الأميركية كانت من قبَل الجماعات الشيعية المدعومة إيرانياً. تكتم الإعلام العربي عن تلك الحقيقة طويلاً، ولم يكن لأحد مصلحة بكشف الأمور على حقيقتها. 
بعد عام 2007، صارت العمليات مفتوحة، وهنا ظهرت صواريخ الأشتر (التي طالب الأميركيون عبر وسطاء كثر إيقافها) وعمليات القنص، والكمائن، التي مكنتنا من ضرب الأمريكي بشكل قاس وغير متوقع. ما بين عامي 2007 و2009 وصلنا إلى مرحلة لم يعد الجيش الأميركي معها قادراً على الترجل من أي آلية في بغداد. كان الجرحى يُتركون في الميدان لساعات قبل أن يتمكن أحد من الوصول إليهم. في أحيان كثيرة، كنا نستهدف الدبابات ووسائل النقل الثقيلة بالعبوات الناسفة، وكان الأميركيون يتركون جرحاهم في الدبابات المنفجرة لساعات.  

******

شهادة:

اعتقلتُ "بتهمة مقاومة الاحتلال" في شهر شباط من العام 2008، واستمر الاعتقال مدة عامين في سجن بوكا. كان الأميركيون يعملون وفق برامج العزل والتنوير في السجن، من خلال شركات أميركية خاصة تولت التثقيف داخل السجون. هم عملوا على الفصل بين السجناء الشيعة والسنة. كما وعلى عزل "الشيعة المتشددين" عن "الشيعة الديمقراطيين". الأمر نفسه قاموا به عند السنة. لا زلت أذكر أول درس ثقافي تلقيناه في السجن؛ كان عن القصاص، وعن ضرورة إقامة القصاص وفق الشريعة الإسلامية. هم أسسوا بذلك لمرحلة ما بعد انسحابهم من العراق. قد يبدو كتاب شيرل بيرنارد عن "الإسلام الديمقراطي المدني" ملائماً عند مراجعتنا تلك المرحلة. لقد عملوا حثيثاً على تأسيس منهج الفرقة الطائفية، وعلى قسمة الحالة الإسلامية لتيار معتدل ديمقراطي يمكن الاستفادة منه والرهان عليه، وآخر متشدد يجب القضاء عليه بأي ثمن.  

******

مغنية في العراق:

لا زلت أذكر زيارة الحاج عماد مغنية إلى العراق قبيل استشهاده بثلاثة أشهر. أراد الحاج أنذاك الاطلاع على سير عمليات المقاومة العراقية، وبدا معجباً ومطمئناً للجهد القتالي الذي بذله الشباب العراقي. للحاج عماد رؤيته وحكمته في إدارة المسائل دائماً وأبداً. كان يوصينا بأن نوازن بين قدرتنا العملياتية، وبنيتنا التنظيمية، بحيث نتمكن من الامتداد شعبياً بالتوازي مع ارتفاع عدد عملياتنا ضد الأميركي. 

 

"

صحيفة الخندق